على مسافة كيلومتر واحد من ساحل الخليج العربي المعاصر، كشفت الحفريات الأثرية في موقع بمساحة 50 متراً مربعاً في جزيرة الحمراء (المعروف باسم JH57) عن كنز من الآثار التاريخية. تضمنت المكتشفات بقايا صدفيات بحرية، وشظايا من عظام الأغنام والماعز، وبقايا عظمية لحيوان الأطوم البحري، إلى جانب أدوات صوانية. لكن أبرز ما عُثر عليه كان كسراً من الفخار القديم.

تميزت هذه القطع الفخارية بنقوشها الهندسية المميزة، حيث زُينت بطلاء داكن على خلفية كريمية اللون، وقد أكد علماء الآثار أن هذا الفخار يعود لحضارة العبيد التي نشأت في بلاد ما بين النهرين. يكتسب هذا الاكتشاف أهمية خاصة لأنه يؤكد امتداد تاريخ الاستيطان البشري في رأس الخيمة إلى الألفية الخامسة قبل الميلاد، مما يعني أن المنطقة ظلت مأهولة باستمرار لأكثر من سبعة آلاف عام.

وتكشف هذه المكتشفات الفخارية عن حقيقتين جوهريتين: أولاهما وجود نشاط تجاري نشط بين مستوطنات الخليج الشمالية والجنوبية، وثانيهما مكانة رأس الخيمة كميناء تجاري حيوي في حركة البضائع بمنطقة الخليج.

وقد تجاوز دور رأس الخيمة استيراد الفخار إلى تصنيعه. ففي منطقة شمل، التي تبعد نحو ثمانية كيلومترات شمال شرق مدينة رأس الخيمة الحالية، كشفت المقابر الأثرية عن وجود فخار محلي الصنع إلى جانب الفخار المستورد من بلاد ما بين النهرين، مما يؤكد أصالة صناعة السيراميك في المنطقة.

تاريخ صناعة السيراميك في رأس الخيمة

يشمل مصطلح السيراميك مجموعة واسعة من المنتجات كالفخار، والبلاط، والأدوات الصحية، والأواني، والطلاءات، والعوازل، وأدوات القطع. تعتمد صناعة السيراميك على تشكيل مواد غير عضوية وغير معدنية، كالطين والرمل والسيليكا، ثم تعريضها لدرجات حرارة عالية. تؤدي هذه العملية إلى تفاعلات كيميائية تغير خصائص المواد الأولية بشكل دائم، لتنتج مواداً أكثر صلابة وكثافة.

وقد برع سكان رأس الخيمة في صناعة الفخار التقليدي، حيث أنتجوا مجموعة متنوعة من الأواني والأدوات مثل:

  • المحرصة: وعاء لحفظ الحليب وللطهي
  • الحِب: لتبريد المياه
  • الشير: لتخزين التمور والأسماك المجففة
  • الخُرْص: جرة كبيرة للتخزين
  • المِرزاب: أنبوب لتصريف المياه

وتؤكد المكتشفات الأثرية من بقايا الفخار المحلي وأفرانه القديمة ازدهار هذه الصناعة في مناطق غيلان وشمل ووادي حقيل على مدى سبعة قرون. واشتهر فخار رأس الخيمة باسم “فخار جلفار“، الذي انتشر تداوله في أرجاء الإمارات والخليج، ووصل إلى سواحل المحيط الهندي وشرق إفريقيا.

ورغم رحيل آخر صناع فخار جلفار منذ عقود، لا تزال تقاليد صناعة الفخار حية في رأس الخيمة. فما زال الحرفيون يستخدمون الطين الأحمر من الجبال والطين الأخضر من باطن الأرض، أو مزيجاً منهما، لصنع الأواني والأدوات المنزلية. وقد حافظ أبناء صناع الفخار على تقنيات الصناعة التقليدية، التي تشمل:

  • خلط أنواع مختلفة من الطين
  • تنقية الطين وتنعيمه باستخدام أدوات خشبية
  • غربلة الطين لإزالة الشوائب
  • ترطيب الطين بالماء
  • تشكيل الفخار على عجلة تقليدية
  • تسوية الجدران وصقلها باستخدام الأصداف البحرية

ويعد موقع شمل الأثري، حيث اكتُشفت مقابر وأفران فخار جلفار، وجهة أساسية لمحبي التراث والتاريخ، ويمكن زيارته بالتنسيق مع دائرة الآثار والمتاحف.

سيراميك رأس الخيمة: من حلم محلي إلى صرح صناعي عالمي

لم تكتفِ رأس الخيمة بإرثها العريق في صناعة الفخار التقليدي، بل نجحت في ترسيخ مكانتها على الخريطة العالمية لصناعة السيراميك من خلال عملاق الصناعة “سيراميك رأس الخيمة“.

تمثل شركة سيراميك رأس الخيمة، المدرجة في سوق أبوظبي للأوراق المالية بقيمة سوقية تتجاوز 2.45 مليار درهم، نموذجاً فريداً لقصة نجاح إماراتية في عالم صناعة السيراميك.

بدأت القصة برؤية ثاقبة من حاكم الإمارة، صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي، الذي رأى في ثروات الإمارة الطبيعية من الرمال والسيليكا عالية الجودة فرصة ذهبية لوضع رأس الخيمة على خريطة صناعة السيراميك العالمية.

لم تكن الرؤية مجرد طموح، إذ سرعان ما أمر سموه بإجراء دراسات جدوى شاملة أكدت امتلاك الإمارة للموارد اللازمة لإطلاق مشروع إنتاج السيراميك على نطاق تجاري. وبناءً على هذه النتائج المشجعة، وجه سموه باستثمار الموارد المالية وتخصيص الأراضي اللازمة لإنشاء مصنع سيراميك رأس الخيمة وبنيته التحتية المتكاملة.

شهد عام 1991 افتتاح أول مصنع لسيراميك رأس الخيمة في جزيرة الحمراء، متقدماً بذلك على طفرة البناء في الإمارات بعقد كامل. ولم يمض عامان حتى تم افتتاح مصنع متخصص للأدوات الصحية في 1993.

لم تكن تلك سوى بداية مسيرة طموحة. فقد سعت الشركة للمنافسة في سوق عالمي تهيمن عليه شركات عريقة من الصين وإيطاليا وإسبانيا. ولتحقيق هذا الهدف، توسعت عمليات الشركة خارج حدود الإمارات وشبه الجزيرة العربية، مستهدفة الفرص الواعدة في الأسواق العالمية. نجحت هذه الاستراتيجية في تعزيز الطلب على منتجات الشركة، حتى أصبحت بحلول عام 2005 عاشر أكبر مصدّر للسيراميك على مستوى العالم.

واصلت الشركة مسيرة نموها المتصاعد، حتى استحوذت بحلول عام 2015 على 60% من سوق البلاط والأدوات الصحية في الإمارات، مع تصدير 85% من إنتاجها المحلي. وبفضل القيادة الحكيمة، والفهم العميق للسوق العالمي، والتزامها بالبحث والتطوير، وتبنيها لثقافة الابتكار، تفخر سيراميك رأس الخيمة اليوم بـ:

  • شبكة تصنيع تضم 23 مصنعاً في الإمارات والهند وبنغلاديش وأوروبا
  • محفظة من ثلاث علامات تجارية عالمية (سيراميك رأس الخيمة، راك بورسلين، وكلودي)
  • حصة سوقية وازنة في السوق العالمي للسيراميك
  • انتشار في أكثر من 160 دولة حول العالم
  • إيرادات سنوية بلغت 3.45 مليار درهم في السنة المالية 2023

وهكذا تحول مجمع سيراميك رأس الخيمة إلى مركز صناعي وتجاري حيوي يعزز مكانة الإمارة على الخريطة الاقتصادية العالمية.

صناعة السيراميك في رأس الخيمة: إرث عريق ومستقبل واعد

تروي الاكتشافات الأثرية في رأس الخيمة قصة تمتد لآلاف السنين من صناعة السيراميك. فمن شظايا فخار حضارة العبيد في المواقع الأثرية، إلى بقايا الفخار المحلي في مقابر شمل القديمة، وصولاً إلى أطلال أفران وادي حقيل العتيقة، تتجلى عراقة هذه الصناعة في الإمارة. وقد حبا الله رأس الخيمة بثروات طبيعية متنوعة من سواحل رملية وكثبان صحراوية وسهول طينية خصبة ووديان وجبال صخرية، شكلت جميعها مصدراً ثرياً للمواد الخام التي غذت هذه الصناعة العريقة.

وتتربع رأس الخيمة اليوم على عرش صناعة البلاط والأدوات الصحية عالمياً، حيث تزين منتجاتها بعضاً من أشهر المعالم العالمية، بدءاً من شموخ برج خليفة في دبي، مروراً باستاد ويمبلي الشهير في لندن، ومطار هيثرو العريق، وصولاً إلى فندق جراند حياة في العاصمة الأمريكية واشنطن.

وتبدو آفاق المستقبل أكثر إشراقاً لقطاع السيراميك في الإمارة. فخطط التطوير الطموحة لشركة سيراميك رأس الخيمة، التي تشمل تحديث مرافق الإنتاج القائمة وتعزيز طاقاتها الإنتاجية وإنشاء منشآت جديدة، تؤكد أن مسيرة النمو والازدهار مستمرة.

وللراغبين في استكشاف هذا الإرث العريق، توفر هيئة تنمية السياحة في رأس الخيمة دليلاً شاملاً يساعد الزوار على تخطيط رحلاتهم والاستفادة المثلى من إقامتهم في الإمارة. يتضمن الدليل معلومات وافية عن المعالم السياحية والأنشطة الخارجية والمراكز التجارية والمطاعم والفنادق. ولا تكتمل زيارة رأس الخيمة دون اقتناء قطعة من منتجاتها الخزفية المميزة، حيث يعد التسوق لشراء أواني البورسلين من سيراميك رأس الخيمة تجربة فريدة لا تفوت.

Latest Articles

Mountains
Mountains

طقس رأس الخيمة: ما يمكن توقعه؟

يمنحك السفر إلى رأس الخيمة فرصة للاستمتاع بأشعة الشمس ودرجات الحرارة الدافئة. إذا كنت تبحث عن الهروب من شتاء نصف…

اكتشف أفضل مطاعم رأس الخيمة: مدفون السدة

إن استكشاف أفضل مطاعم رأس الخيمة وأجمل نكهاتها هو جزء لا يتجزأ من استكشاف هذه الإمارة الساحرة، ذلك لأن رأس…

أفضل أماكن سياحية في رأس الخيمة: كل ما تريد معرفته

عندما تبحث عن أفضل أماكن سياحية في رأس الخيمة، فلا يمكنك اختيار وجهة واحدة، لأن هذه الإمارة الخلابة تمنحك الفرصة…

buses
buses

مواصلات رأس الخيمة: وسائل النقل العام في رأس الخيمة

رأس الخيمة هي إحدى أجمل الوجهات في دولة الإمارات العربية المتحدة، إذ تجمع معالم رأس الخيمة بين مزارات عديدة ومتنوعة…

مغامرات مجانية بانتظارك في رأس الخيمة: 7 أماكن لا تفوتها

بماذا تشتهر رأس الخيمة؟ باعتبارها “إمارة الطبيعة”، فهي تزخر بالعديد من المواقع الطبيعية الخلابة التي يمكن استكشافها مجاناً. ولكن الأمر…

اكتشف أطعمة الإمارات: أكلات شعبية إماراتية لا بد من تجربتها

تُعد العطلة في الإمارات تجربة متكاملة تجمع بين الانبهار بناطحات السحاب المذهلة، والاستمتاع بالشواطئ الخلابة، والانطلاق في مغامرات صحراوية مثيرة.…

prayer time
prayer time

مواقيت الصلاة في رأس الخيمة: كل ما تحتاج لمعرفته

يمكن لزوار رأس الخيمة الاستمتاع بتجارب ثقافية غنية، بما في ذلك زيارة المواقع الروحية والدينية الجميلة. وتعد مساجد رأس الخيمة…

rak airport
rak airport

مطار رأس الخيمة: كل ما تحتاج معرفته

هل تخطط لزيارة جبل جيس أو جبال الحجر؟ أم ترغب في استكشاف قلعة ضاية؟ هذه مجرد أمثلة على أبرز المعالم…

visitrasalkhaimah